للأشكال والخطوط قيم جمالية وتعبيرية تحمل الكثير من الدلالات، ولذلك اهتم الدارسون بإيجاد قواسم مشتركة بينها انطلاقا مما خلفته الحضارة الإنسانية من تماثيل ونصب ومعمار وأعمال فنية. لأنه مهما تباعدت الحضارات من الناحية الجغرافيـة فإنـها تتماس في طريقـة تعبيرهـا انطلاقـا من انتقائـها اللاشعوري لأشكال وخطوط معينة.

ويعتبر المستطيل الشكل الأكثر حضورا في حياتنا ويختاره جل الناس مهما اختلفت حضاراتهم ومشاربهم، فالمستطيل شكل يؤطر الأبواب والنوافذ والطاولات والبيوت والكتب وغير ذلك. ويرجع إقبال الناس على هذا الشكل لعدم تناسب قياس خطوطه، كما أن كمال وحدته يتجلى في تنوعه، وكل عمل غير متنوع يؤدي إلى النفور .

أما المربع فيعبر عن المطلق، ولذلك استخدمه المسلمون كوحدة زخرفية متكررة في الكثير من أعمالهم الفنية، ونظرا لتناسب خطوط المربع فانه الشكل الأكثر تقييدا لمساحة الأشياء، وهذا ما ُينفر الناس منه و لا يكثرون من توظيفه وإذا كان المستطيل ارتبط بالجانب الدنيوي والمربع بالجانب الديني، فان المثلث هو الشكل الأكثر ارتباطا بالخطر والمحرمات. فكثيرا ما نسمع عن مثلث الشيطان أو مثلث الرعب ناهيك عن استعماله في علامات المرور الدالة على الخطر، والأمثلة كثيرة لا حصر لها .

والحديث عن الأشكال يحيلنا إلى الحديث عن الخطوط التي تكتنز بدورها قيما جمالية وتعبيرية ، ومن الصعب جدا طرق بابها ، لأن الخطوط يوظفها الفنانون والمهندسون والجغرافيون والعساكر وهلم جرا.... وكل فئة تنظر إلى الخط من زاوية معينة ولكن رغم تعدد الرؤى يمكن أن نجد قواسم مشتركة بينها.

فالمنحني مثلا يعبر عن المرونة والحنو وكذلك القوة والحركة . وقالت العرب قديما (استقامة المنجل في اعوجاجه)أي قوة المنجل في حركته التي يستمدها من شكله المنحني. وهذا النوع من الخطوط وظفه الخطاطون المسلمون في كتابة الآيات الدالة على الرحمة. كما أنه الخط الطاغي على الكثير من التماثيل التي تجسد بوذا أو آلهة الرحمة راما . كما وظفه فنانو عصر النهضة في اللوحات التي تمثل مريم العذراء المنتحبةPIETA أو الأم .

أما الخطان المستقيمان : العمودي والأفقي أي البعدان الأول والثاني ، فلكل منهما قيمه التعبيرية . فالعمودي تعبير عن النبل والانضباط والنظام . ويتخذ هذا الخط على السطح شكلا طوليا . فالجنود والتلاميذ يتخذون هذا الشكل في صفوفهم . وكذلك النمل، والكثير من أنواع الحشرات والحيوانات والطيور في هجرتها . إلا أن هذا النوع من الخط يبعث نوعا من الملل وعدم الارتياح لدى الإنسان لارتباطه بالانضباط والعمل الشاق ، عكس الخط الأفقي الذي يوحي بالراحة والخشوع . وكثيرا ما يبحث الإنسان عن راحته في تأمل آفاق مشاهد من الطبيعة كخط أفق البحر مثلا ، أو يصطف في المسجد مع المصلين في خطوط عرضية في جو من السكينة والخشوع.

أما اللون فقد أولاه الإنسان اهتماما كبيرا منذ القدم، باعتباره وسيلة للتمييز بين الكثير من الأشياء المتعلقة بالجانب البصري ، كما ارتبط باللغة والأحاسيس , فنقول" ضحكة صفراء" ، و"أحلام وردية "،و"كذبة بيضاء "، و"أيام سوداء" إلى غير ذلك.

هذا هو اللون الذي يتعايش معنا " يسكننا بمعتى الحضور ويمتلكنا . كل لون يرتبط حسب التقاليد بروح من البانتيون (مجمع الارواح) الصوفي في المغرب . يصبح اللون بحد ذاته مقدسا .لا يمكن أن نلمسه دون أن يفعل فينا فعل القتل من حيث جانبه الروحي ( شعرنا بذلك أم لم نشعر ) لذا يمكننا أن نتحدث عن سطوة اللون . وأنجز الفيزيائيون الكثير من الدراسات والأبحاث التي تتعلق باللون وحاولوا فهمه . وكان للفيزيائي إسحاق نيوتن دور كبير في الكشف عن الكثير من أسراره، وذلك من خلال بحثه " النظرية الجديدة للضوء و الألوان " الذي أنجزه سنة 1672م وبعثه إلى الجمعية الملكية. توصل فيه إلى أن الأبيض هو حضور للألوان التي رتبها في الدائرة اللونية المعروفة بقرص نيوتن ، وتشتمل على سبعة ألوان .هذه الدائرة التي سيعمل الفرنسي لويس برتراند كاستل سنة 1740 على توسيعها لتشتمل على اثني عشر لونا وهو العدد الذي سيتبناه النمساوي ايغنتس شيفرموللر وباعتبار اللون مادة للصباغة وليس ضوءا فقط فقد اهتم الكيميائيون به ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر جورج فيلد الذي درس خامات الألوان ، وكذلك الفرنسي ميشال أوجين شوفرول الذي أنجز دراسات قيمة عن الأصباغ حين عين مديرا لشركة غوبلين ، ولاحظ أثناء اشتغاله على الأصباغ أن المشكلة التي تطرحها الألوان لا علاقة لها بالمجال الكيميائي ، بل بالمجال البصري فاللون حين لا يعطي أثره أو مفعوله فهذا لا يتعلق بالمادة الملونة بل بالدرجات اللونية التي توجد بالقرب منه أو تجاوره. وانطلاقا من هذه الملاحظات عالج الموضوع بعمق وظهرت باكورة أبحاثه في كتاب "قانون التباين المتزامن للألوان، وكان له تأثير كبير على مجموعة من الفنانين ، ونذكر منهم أوجين دولا كروا وجورج سورات و روبير دولوناي وإذا كان الفيزيائيون والكيميائيون درسوا اللون كضوء أو كمادة للصباغة، فان الفلاسفة والفنانين حاولوا الكشف عن دلالاته . ولعل أول شذرات تنَاوًل رمزية الألوان تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد عند لي كينغ في الصين حيث تم الربط بين الألوان والكهنوت والنبوءات .وتبقى أهم الدراسات التي اتسمت بنوع من التحليل هي التي ظهرت على يد الفنان فيليب أوطو رونجه(1777-1810) الذي كانت له رؤية خاصة للألوان من مختلف الجوانب وربطها في أبحاثه بالعلوم والرياضيات والموسيقى والدين. وكان يرى أن الألوان الأساسية ( الأزرق والأحمر والأصفر هي ألوان مطروحة ، ورمز بسيط لاتحاد الأقاليم الثلاثة. وقد عرض هذا الفنان بحثه حول الدائرة اللونية أو كرة الألوان التي تعرف بكرة رونجه سنة 1810 أي في نفس السنة التي توفي فيها، . واعتبرت وفاته عن عمر لم يتجاوز فيه الثلاثة والثلاثين خسارة كبرى نظرا لأبحاثه القيمة التي تناولت الألوان وعرضها كما تزامنت أيضا وفاته مع العام الذي نشر فيه الشاعر الألماني الشهيريوهان فولجانج جوته (1832_1749) نظرية الألوان مع الدائرة اللونية في حوالي ألفي صفحة منطلقا في النظام الذي وضعه من التباين الأساسي بين الفاتح والغامق؛ هذا التباين الذي يرى فيه نيوتن انه لا يلعب أي دور، ويرى جوته أن اللونين الأصفر والأزرق هما اللونان اللذان نراهما كألوان صافية ، فالأصفر أكثر الألوان تميزا عند الوضوح، ويدل على الحيوية والحركة والدفء والوضوح أما الأزرق فأكثر الألوان وضوحا في العتمة لأنه اقرب إلى الظل، ويعبر عن الظلام والضعف والبعد والفتنة والبرودة.

فهذان اللونان أي الأصفر والأزرق هما القطبان اللذان تنتظم بينهما بقية الألوان، فالأصفر يمتد إلى اللون الأحمر ليتشكل مقطع الجانب الايجابي .أما مقطع الجانب السلبي فيمتد من الأحمر إلى أن ينتهي في اللون الأزرق . فألوان الجانب الأول هي مبعث الحركة والحياة والحيوية و الجهد أما ألوان الجانب الثاني فتحدد أحاسيس القلق والضعف والحنين.

وبعد وفاة رونجه ونشر جوته لنظرية الألوان بحوالي نصف قرن أي في سنة 1857 طُبع في باريس الكتاب الذي ألفه البارون فريديريك بورتال والذي تناول فيه رمزية الألوان في مختلف العصور ، ولم تخل نظرة بورتال للألوان من تفسير ديني حيث اعتبرها لغة إلهية مقدسة موجهة للناس للاستدلال على وجود الخالق. ورغم طابع التفسير الذي أعطاه بورتال للألوان فان كتابه يعتبر من المؤلفات القيمة والمهمة التي تناولت رمزية الألوان.

ويرى بورتال أن المبدأ الأساس للنور والعتمة هو نقطة الانطلاق لمادية الأبيض والأسود، وان النور لا يستمد وجوده إلا بالنار التي يرمز إليها بالأحمر، وهذا اللون الأخير مع الأبيض يشكلان المستوى الأول الذي هو مكان الحب والغريزة وحضور الذات, فالأبيض رمز للحكمة الإلهية ، والأحمر رمز للحب الإلهي وخلق هذا العالم وفي المستوى الثاني الذي هو الحياة والذكاء والقول يندرج اللونان الأصفر والأزرق، وباتحاد اللونين يتشكل الأخضر الذي يندرج في المستوى الثالث والذي يدل على إنجاز القول. وفيه يتمظهر الحب والحكمة عبر الخطوط والحركات .

ويرى بورتال أن كل لون يمكن أن يعيش ثلاثة إبعاد مختلفة العالم الإلهي ، العالم الروحي، العالم الطبيعي) ، كما يعتمد نظام بورتال اللوني على قاعدتين هما التآلف والتعارض.القاعدة الأولى تتكون من خمسة ألوان صافية وهي الأبيض ، والأحمر ، والأصفر، والأزرق ، والأخضر..والمزج بين هذه الألوان نحصل على ألوان القاعدة الثانية وهي:

 الوردي والأرجواني والصفيري (لون برتقالي محمر) والرمادي. وألوان القاعدة الثانية تهيمن عليها ألوان القاعدة الأولى و حصلنا عليها بالمزج بين الألوان المهيمنة وبالتالي فان كل لون من القاعدة الثانية يتشكل من لونين وبهذا فان المعنى مركب فإذا مزجنا الأحمر (الحب) والأزرق (الحقيقة) فإننا سنحصل على اللون الأرجواني والدلالة هي (حب الحقيقة) ، وإذا أضفنا الأسود الى هذه الألوان تنقلب المعاني إلى أضدادها ، فمزجه مع الأزرق الذي يعبر عن الحقيقة سنحصل على لون دلالته نقيض للحقيقة.

إلا أنه كلما استحضرنا كلمة لون إلا واستحضرنا الفنون التشكيلية باعتبار أن الفنانين هم الذين يشتغلون به ليشكلوا عالمهم الخاص الذي يريدون التعبير عنه.. ويعتقد جل الناس أن للألوان دلالات ثابتة، ويجهدون أنفسهم للتعرف عليها.

 ولذلك يرى هيجل "أنه يسود الاعتقاد عادة بأن الرسام يسعه من هذه الناحية، أن يتبع في عمله قواعد محددة واضحة . وهذا لا ينطبق على أي حال إلا على المنظور الخطي الذي هو بمثابة علم هندسي .لكن لا يجوز حتى في هذا المجال التقيد بالقاعدة بدقة من حيث هي قاعدة مجردة، لأن التقيد الصارم بها لا يمكن إلا أن يؤدي إلى دمار المفعول التصويري .فحس الألوان لا بد أن يكون صفة من الصفات الموقوفة على الفنان ..وجانبا أساسيا من خيال الفنان وقدرته على الابتكار.

ورغم الصعوبة التي تعتر ضنا في إيجاد دلالات الألوان، إلا انه يمكن أن نجد بعض القواسم المشتركة في التفكير الإنساني.وهذه الدلالات حسب ما سنلاحظ تختلف في حد ذاتها من ثقافة إلى أخرى .
الأحمر: يعتبر هذا اللون رئيسا في الألوان الضوئية والصباغة . وهو رمز الحياة في الكثير من الحضارات.وارتبط بالجانب الديني والكثير من الطقوس فهو لون الإله براهما عند الهنود .... ولون الروح القدوس في الفن المسيحي .أما سياسيا فهو اللون الرسمي للشيوعيين واللون الملكي لأباطرة الصين.

البرتقالي : لا يعتبر هذا اللون رئيسا في الألوان الضوئية ولا في الصباغة ، لأنه مزيج بين الأحمر والأصفر ، ودلالته هو الحب بكل أنواعه وأسمى تجلياته خاصة الحب الإلهي .وهو لون زي الرهبان المعروفين بالماندارين.

الأصفر: هو لون رئيس في الضوء والصباغة، ويرمز به إلى النور لأنه مستمد من الشمس . ولذلك اتخذت الكثير من الشعوب هذا اللون للتعبير عن معتقداتها المرتبطة بالشمس، ونذكر على سبيل المثال الهنود الحمر" الأزتيك والانكا" في أمريكا .

الأخضر: هو لون رئيس في الألوان الضوئية ، وثانوي في الصباغة ، لأنه مركب من الأزرق والأصفر . ويعتبر تكميليا للأحمر أي متساوقا معه. ويتخذ هذا اللون في كثير من الثقافات بعدا روحيا .فهو لون الإسلام ، وعند المغاربة هو رمز لهذا البعد بكل ما تحمله الكلمة من معنى . فهو لون قباب مساجدهم وأضرحتهم وملابس بعض طوائف زواياهم. كما أنه رمز للهدوء والحياة ، ولذلك كان اللون الرسمي للأطباء في العصر الوسيط ، ولازال لون بذلة الجراحين إلى حد الآن.

الأزرق: يعتبر لونا رئيسا في الصباغة وثانويا في الألوان الضوئية . وكانت الكثير من الثقافات لا تميز بينه وبين الأخضر، ولنأخذ على سبيل ا لمثال أقرب الثقافات إلينا العربية والأمازيغية .فبالنسبة للعرب القدامى لم يكن هذا اللون متداولا والدليل انه ورد مرة واحدة في القرآن الكريم وذلك في صورة طه في قوله تعالى :"يوم ينفخ في الصور ويحشر المجرمون يومئذ زرقا " كما أننا لا نجد له أثرا في المخصص لابن سيدة .أما عند الأمازيغ فلا زالت كلمة "أزيزا" تعني الأزرق كما تعني أيضا الأخضر، وقد بحثنا عن السبب فوجدنا الجواب في البحث القيم الذي أنجزه كل من برلين وكاي وتم طبعه سنة 1969. واللذين توصلا إلى أن لغة مهما كانت بدائية فإنها لابد وأن يتوفر معجمها على الأبيض والأسود ،وإذا كانت تتوفر على ثلاث مفردات فسيكون اللون الثالث هو الأحمر أما إذا توفرت على أربعة فسيكون الأخضر أو الأصفر ويلي هذه الألوان الأزرق والبني و(الأرجواني أو البرتقالي أو الوردي أو البني ) إلى أن تكتمل الألوان في عشرين لغة ومن بينها العربية وست لغات أوروبية والصينية والكورية واليابانية والعبرية.

أما من حيث الدلالة فقد ارتبط بالسماء واللانهائي . ولذلك عبر به المصريون عن الخلود ، والرومان عن الهة الشمس .أما الفنانون في عصر النهضة فرمزوا به إلى مريم العذراء. كما أنه لون التفتح والانفتاح على عوالم كثيرة ولهذا يفضله مصممو المواقع الشهيرة لأن يكون لونا أساسا في الواجهة ، وللتأكد يمكن للقاريء أن يلقي نظرة على أشهر محركات البحث ومواقع الرسائل الالكترونية والدردشة.

الأسود: لا يعتبر لونا لأنه غياب لكل الألوان ، ويقترن بالحزن والمآتم في المجتمعات الغربية، أما في الملابس العادية فهو رمز للاعتداد بالنفس أو السيطرة عليها، لذلك نجده في زي رجال السلطة والرهبان.

الأبيض: هو حضور لكل الألوان، ولا يعتبر لونا. والتجربة التي قام بها نيوتن بالقرص المعروف باسمه لخير دليل على ذلك. ويعتبر الأبيض رمزا للطهارة والنقاء ، وهو في بعض المجتمعات نقيض للأسود في التعبير عن الحزن عند شعوب أخرى إلا أن القاسم المشترك بين جل الشعوب هو أن الأبيض هو لون ملابس الحزن عند البعض ومن بينهم المغاربة ، وهو أيضا لون الزهور التي تلقى على الجثامين عند شعوب أخرى كالغربيين

ومن خلال هذا الاستعراض الوجيز لدلالات الخطوط والأشكال والألوان، اتضحت لنا بعض أوجه الالتقاء والاختلاف بين نظرة الشعوب إليها والتعبير بها بطرق مختلفة

 

 

 محمد سعود

 شاكر حسن آل سعيد : جمالية الخط الكوفي المربع – مجلة آفاق عربية – ع 7 .و8 (1983) ص42
ووليم العروسي : الفضاء والجسد ط1 .1996 . منشورات شركة الرابطة .ص 39/40

 هيجل : فن الرسم – ترجمة جورج طرابيشي . دار الطليعة .بيروت .ط1.1988.ص84

M. E. Chevreul, «De la loi du contraste simultané des couleurs et de l'assortiment des object colorés», Paris 1839
4-Frederic Portal :Couleurs symboliques dans l antiquité ,le moyen age et les temps modernes .Paris .Wrutz libraires.1857.pages 29,30 ,31 32
5-BER & KAY (1969), Basic Color Terms, Berkley , CA, University of CaliforniaLIN

 

 

   

العودة للصفحة الرئيسية