يرتبط النسيج اليدوى وطرق تصنيعه بعقائد شعبية وطقوس تعتبر من معالم الفلكلور بحكم ارتباطها بالمعتقدات والموروثات، مثل اتقاء الحسد، أو الرغبة فى جلب الخير، إذ إن زخارفها أو طريقة تطريزها لها مدلول ومعنى يرتبط بحياة الشعوب، بل أحيانا ترث عصور سبقتها،  وإن احتفظت بمظهرها العام، فإنها تعييد تكيفها حسب حاجيات الذوق الشعبى؛ لذلك وجب الرجوع إلى التاريخ لنتتبع مدى ارتباط النسيج اليدوى بالتراث القومي، وعلاقة تراثنا القديم بالأزياء وأنواع الثياب.

فيرتبط نسيج الحرير من الخامات «رفيعة المستوى» بطبقات المجتمع الراقي، حيث يستخدم لحياكة الملابس المميزة التي تنم على الثراء، وقد عرفت شعوب شمال أفريقيا نسيج الحرير وقد رجح بعض المؤرخين والجغرافيين القدامى ومنهم ابن حوقل، إنه جاء من تونس في القرن العاشر، حيث انتشرت طريقة نسجه في مدينة قابس لكثرة أشجار التوت،

وإن شرانق الحرير كانت تكثر هناك، وكان استخراج خام الحرير من الشرانق في تونس يتم عن طريق تسخين الشرنقة والحصول على شعيرات مصمغة لتبسط الخيوط فورا لعدة مرات، وما زال حرير قابس فى تونس ذائع السيط والشهرة ويصدر إلى إيطاليا وفرنسا.

بنهاية القرن 12 كان الحرير الرفيع المستوى يتم نسجه في تونس أو في فاس بالمغرب ويذكر أن 3000 منزل تقوم بهذه الحرفة وكان هناك 2000 حرفي يمتهنون تلك المهارة الحرفية، إما في الريف أو في المدن وبظهور النول اليدوي في القرن 16 وإضافة الوحدات الزخرفية عن طريق حرفيي يهود الأندلس الذين يقطنون المغرب العربي (غرناطة) وفى (المهدية) 1492علاوة على القادمين من طرابلس في القرن 19 فظهر الحزام الحرير المطعم بخيوط الذهب ليصبح قطعة مهمة في تاريخ الأزياء بل أهم قطعة فى زى العروس ونزح حرفيو نسيج الحرير اليدوي من تونس إلى مصر وانتقلت المهارة معهم كما انتقل المفرش الحريري الشهير الذي كان يصنع في «جربة» فى تونس لينتقل إلى «نقادة» بالصعيد وامتزج بخبرة المصريين مع النول اليدوي لتخرج قطعة الحرير اليدوي الشهيرة «الفركة» ذات اللون الأحمر المقلم وهى القطعة التي ترتديها العروس السودانية في ليلة الحنة ويرجع الفضل فى ذلك إلى النول اليدوي الذي يدار بالقدمين إلى أعلى وإلى أسفل بواسطة القدمين ــ وانتشر في ليبيا ومصر وتونس خاصة جربة وفى ملابس وثياب نبلاء «المهدية» أما رجال صعيد مصر فيرتدونها كعباءة دون أكمام بالإضافة إلى الوحدات الزخرفية الهندسية وتضفى ظلال الحرير اللامع من انعكاسات لونية مع دقة الصناعة الفائقة وبراعة التصميم لوحة فنية أصبح معروفا بالنسيج الطرابلسى كماركة مسجلة ، وذلك قبل قدوم النساجون اليهود من جربة إلى ليبيا وبالرغم من أن هذا الفن الحرفة يليق بالنساء إلا أن الرجال كانوا قائمين عليه ولم تقبل عليه النساء إلا في عصر متأخر ليصبح من مستلزمات الحياة اليومية ليبرز تاريخ شعوب المتوسط ثم تنتقل المهارة الحرفية إلى الجزائر لتنفذ على الكتان ويتطور في العصر العثمانى في القرون من 16إلى 19 وظهرت المعلقات والستائر.

دخلت السيدات حرفة النسيج من أجل تجهيز العروس وظهرت صناعة (البرنس) و(التنشيفة) توضع على الرأس ليلة الحنة وذلك للسيدات من الطبقة العليا ثم امتزج النسيج برسوم زخرفيه متأثرة بعصر النهضة والفن التركي بحكم تجارة المتوسط والتي انتشرت في فاس المغربية مع خطوط عرضية ولكن ظل الاختلاف بين المدن والريف حيث التلقائية وغلبة الفلكلور لأن تصميمات الريف مرتبطة باتقاء العين الحاسدة والحماية من الأمراض،  أو رسوم الجمال والسمك واليد والعقرب وتنتقل فنون النسيج وزخارفه إلى واحة سيوة المصرية مع قبائل البربر حيث ثياب زفاف العروس مضافا إليها رمز شمس آمون الساطعة لتكسبها روح وشخصية مصر الفرعونية مضافا إليها حدوة الحصان والنخلة مثلها مثل قابس التونسية مما يؤكد تأثير ثقافة وتراث عالم ما وراء الصحراء،  حيث الاقتباس من فنون إثيوبيا وموروثها الديني والاجتماعي منذ عصر مملكة آكسوم في العصور المسيحية القديمة، فمنذ القرن الرابع كانت إثيوبيا تستورد الحرير الخام من الهند والصين وتنسجه من أجل إهدائه إلى كنائس العالم المسيحي، ويعد من أشهر نسيج حرير شرق أفريقيا كما كان يستعمل مظلات للاحتفالات الدينية بشهادة المتحف البريطاني، فيوجد معرض لملابس المسيحيين الأرثوذكس الإثيوبيين هناك والتي يرجع تاريخها إلى عهود بعيدة، فتجد مفارش المناضد ولا نعرف هل هي من صنع المسلمين أم اليهود الفلاشا، ولكن الخيوط من الصين وهى مجموعة نادرة تكشف تاريخ نسيج الحرير تنسب إلى الملك بكافان وزوجته وأولاده، وتمثل أزياء دينية ذات لون أزرق داكن.

وفى شرق أفريقيا كانت العناية بصناعة الحرير قائمة، وبدأ جلبه من الهند بواسطة التجار العرب، أما في مدغشقر فكانت شرانق الحرير منتشرة فى المرتفعات، وكانت خيوطه غير قابلة للصباغة، لكنه كان يدخل فى النسيج بوجه عام،  ونفس الحال في نيجيريا وفى منطقة السافانا ويرجح أن ديدان الحرير هناك تتغذى على شجيرات التمر الهندي الشيطاني، ولكن كانت النتيجة واحدة وهى الحصول على الحرير عن طريق غليان شعيرات الحرير في محلول قلوي لفصل الحرير عن الصمغ ثم تجفف الألياف، هذا الحرير كان يستخدم في التطريز وأشغال الإبرة،

وعن طريق تجارة طرق ما وراء الصحراء تم جلب المصادر الحيوية لغزل الحرير من أفريقيا، وفى أواسط القرن 19 كان الألمان قد رصدوا تجارة الحرير القادمة من واحة «غدامس» ليبيا إلى «كانوا»، أما شعوب «الآسانت» في غانا فقدموا أحد أنواع الحرير كهدايا سنة 1730م للأسر المالكة في أوروبا وظل ذلك حتى القرن العشرين.  ونماذج المنسوجات الحريرية الأفريقية تمتد من شرق أفريقيا إلى غربها، وأشهر القطع النسجية تسمى شاما وهى من اللونين الأزرق والأحمر.

وبظهور الثورة الصناعية الميكانيكية تنحسر الحرفة اليدوية في نطاق ملابس الأرستقراطيين والملوك بالعرض والطلب من قبيل الترف، لكن تدور العجلة اليوم لتصبح الحرف اليدوية النابعة من التراث من أهم مقومات التنمية المستدامة في هذا العالم الذي نعيشه وتحث كل الهيئات العالمية الشعوب على أن تجتر الماضي لتتحدى العولمة.